ملحد وطائفي في آن !؟

جو حمورة

في 20 حزيران 2012 أطلق بعض الشباب اللبناني حركة معترضة على التمديد للمجلس النيابي. هذا التمديد الذي وافق عليه علناً، أو ضمناً، كل الأحزاب اللبنانية الفاعلة والممثلة لطوائفها في النظام السياسي اللبناني، والمشكّلة للأداة السياسية الضامنة لحقوق الطوائف التي تمثلها في الدولة لا أكثر.

أما مصير هذه الحركة، التي عرفت بـ “ثورة البندورة”، سيكون الفشل الحتمي، ليس لأنها غير محقة في مطلبها، إنما ببساطة لأنها حركة هائمة خارج النضال الطائفي اللبناني.

من فعاليات "ثورة البندورة" أمام مجلس النواب اللبناني

من فعاليات “ثورة البندورة” أمام مجلس النواب اللبناني

أثبت التاريخ اللبناني، منذ إنشاء دولته عام 1920، أن أي حراك مدني ذات أهداف سياسية أو إجتماعية خارجة عن الطوائف ومصالحها لا يقدم أو يؤخر تحركها في تغيير أي شيئ. أما وإن حققوا شيئاً ما يوماً، فما هو إلا بالتحالف مع أحد أو بعض الطوائف، أو مجرد عطاءات من هذه الطوائف أو تلك في تلاقي ظرفي بين هدف الحركة المدنية ومصالح الطوائف السياسية، الإجتماعية أو الوجودية.

المحرك الأساس لكل الحركات والمظاهرات التي تجري في لبنان، هو دائماً قضية ما ذات بُعد أخلاقي، أما ما يساهم بشكل أساس في استمراها، وصولاً لغايتها، فهو الإحساس الطائفي للمشاركين فيها. فإن تظاهر 500 شخص من كل لبنان بحجة قضية محقة كما يحصل اليوم، فإن عديدهم سيتقلص تباعاً دون تحقيق شيئ يذكر. كل ذلك والأغلبية العظمى من اللبنانيين لا يحركها العمل السياسي المستدام إلا الدافع الطائفي العميق في وجدانهم.

 ***

ملحد وطائفي في آن !؟

منذ أن إندلعت الحرب الطائفية في سوريا وبدأ تأثيرها يظهر عميقاً على الطوائف اللبنانية، لاحظت أن العديد مِن مَن يصفون أنفسهم بالملحدين، يتصرفون ويتكلمون بشكل طائفي تماماً كبقية اللبنانيين. فتسائلت، كيف يمكن لشخصٍ ما أن يكون ملحداً وطائفياً في آن؟

إن الإنتماء الطائفي في لبنان والشرق بشكلٍ عام، هو أعمق حتى من الإيمان الديني بذاته. مرد ذلك الى أن “الطائفة” بمعناها العميق ليست مجرد طقوس وصلوات وإيمان بالغيبيات… إنما هي مجتمع تاريخي وسياسي قائم بذاته، له كل المميزات التاريخية والسياسية والأدبية والروحية والإجتماعية والثقافية… التي تجعل من كل طائفة شعباً قائماً بذاته، يختلف جذرياً مع الطوائف/الشعوب الأخرى.

الإنتماء الطائفي في الشرق هو أكبر ما وصل إليه الفرد من انتماءٍ سياسي ووجودي حقيقي، وهو عميق أكثر من الإيمان بذاته ودفين حد الروح في ذاكرة المنتمين إلى الطوائف. أما فكرة الإنتماء للدولة، الوطن، القومية وكذبة إنصهار الشعوب فما هي سوى أفكار مستوردة من الغرب، التي تملك شعوبها مفاهيم وتاريخ خاص ومجتمعاتها مختلفة جذرياً بالتكوين عن الطوائف/الشعوب في الشرق.

الطائفة إذاً، ليست مجرّد صلوات وايمان بالغيبيات، بل تحولت مع التاريخ الى شعب أو شبه قومية يشكل الدين ركناً من اركانها لكن طبعاً ليس كلّها. لذلك من الطبيعي أن نرى إنساناً ما ملحداً، أي فاقد لأحد أركان الطائفة، لكنه طائفي بكل ما للكلمة من معنى، عبر إحساسه بمشاعر ووجدان الطائفة التي ينتمي إليها ودفاعه عنها حينما تدعي الحاجة.

***

الجيش اللبناني بصلاحيات حكم

أثارت صورة فوتوغرافية لزمرة من الميليشياويين في صيدا يتمخترون أمام آلية للجيش، دون أن يحرك الأخير ساكناً، ردة فعلٍ عامةٍ شاجبة. كذلك كانت ردة الفعل بعد عرض فيديو لحاجز ميليشياوي في منطقة البقاع يسمح لآلية للجيش بالمرور.

ما يجري حقاً هو أن الجيش اللبناني، أمام خيارين للتصرف في المناطق التي تشهد صعوداً في التقاتل الطائفي. فإما أن يبقى كما هو ويلعب دور المفاوض والمنظم للصراع الطائفي بين المتقاتلين بصلاحيات حكمٍ حيادي، فيجنب بذلك اللبنانيين “مشكوراً” إشتداد وتطرف الصراع والمعارك.

أفراد الجيش اللبناني يشاهدون مجموعة ميليشياوية تمر في شوارع مدينة صيدا

أفراد الجيش اللبناني يشاهدون مجموعة ميليشياوية تمر في شوارع مدينة صيدا

أما الخيار الثاني، فهو الإشتباك مع هذه الميليشيات، ما يعرض الجيش نفسه الى احتمال الإنقسام، خاصة وأن الجيش اللبناني ومن يعملون في أعلى قياداته هم أيضاً ممثلين للطوائف/الشعوب اللبنانية، وأفراده من نسيج المجتمع الطائفي اللبناني، كما أن خيارٌ كهذا سيجعله عرضةً لرصاص المتقاتلين سوياً !

هذا هو الواقع بعيداً عن المثاليات والأوهام، يفضل مسؤولو الجيش المدنيين تنظيم قتال الطوائف والحد من قتالهم عند المقدرة للحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه، بدلاً من أن يصبح الجيش بذاته عرضة للقتال مكانهم. أما الحق والقانون فلا مكانٍ لهما في الواقع اللبناني.

—————————-

يمكن الاطلاع على صور نادرة للشخصيات اللبنانية أو على صور قديمة ونادرة للحرب الأهلية اللبنانية

الخوري شكيب والجريمة المكررة

المرشد في المعامليتن

صور قديمة للشخصيات اللبنانية -5-

يمكن الإطلاع على صور عن الحرب اللبنانية هنا

وصور آخرى عن الشخصيات اللبنانية هنا 

***

ميشال عون وأمين الجميل في 21-6-1984

ميشال عون وأمين الجميل في 21-6-1984

***

الشاعر سعيد عقل يشرح درسا لطلاب إحدى الجامعات عن تحويل اللغة العربية الى لغة لبنانية في 11-4-1961

الشاعر سعيد عقل يشرح درسا لطلاب إحدى الجامعات عن تحويل اللغة العربية الى لغة لبنانية في 11-4-1961

***

رجال الأسعاف ينقلون النائب والوزير موريس الجميل على نقالة على أثر ذبحة قلبية خلال جلسة مجلس النواب في 18-10-1970 (يظهر النائب ميشال المر)

رجال الأسعاف ينقلون النائب والوزير موريس الجميل على نقالة على أثر ذبحة قلبية خلال جلسة مجلس النواب في 18-10-1970 (يظهر النائب ميشال المر)

***

وليد جنبلاط يشارك في مأتم رئيس الحزب التقدمي الأشتراكي كمال جنبلاط ورفاقه في المختارة بعدما تمت مبايعته زعيما في 18-03-1977

وليد جنبلاط يشارك في مأتم رئيس الحزب التقدمي الأشتراكي كمال جنبلاط ورفاقه في المختارة بعدما تمت مبايعته زعيما في 18-03-1977

****

——————————

إقرأ مقالات عن الشؤون التركية

الطائفية في الأمثال الشعبية اللبنانية

ثمانون من النضال: أنطوان نجم فيلسوف القضيّة اللبنانيّة

نديم يوسف البستاني

بغياب الاحتفالات والاستقبالات والتكريمات الفضفاضة، احتفل الأستاذ أنطوان نجم في الأسبوع الفائت بعيد مولده التاسع والسبعين وسط لفيف ضيق من الأصدقاء و المحبين. بالرغم من استحقاقه أسمى الحفاوة وأبهى المعايدات، إلا أنه منذ نشأته في الحياة السياسية والفكرية فضل التزهد والابتعاد عن الأضواء، حيث اصطفى ذاته للانخراط في غياهب العمل الملتزم، ما يلزم لإنجاح النتاج، وسط طقوس صارمة من النزاهة والترفع. وإن كانت الأضواء تنفر من كارهيها إلا أن الأنوار تتكوكب حول من كره الأضواء.

425189_10151614724974477_346449815_n

لقبه البعض، بضمير المقاومة اللبنانية والقضية اللبنانية، و لقبه آخرون بفيلسوف الفكر اللبناني للإنسانية، وصنفه البعض من صقور اليمين، وهته آخرون بما قد يعد مديحاً بأنه كاره الزعماء.
أعطاه بشير الجميل، وهو كان مستشاره الأول، كنية “نبتون” (تحببا)، أما هو فاستخدم فيما مضى اسم ” أمين ناجي” كاسم مستعار، مفسرا الأمر بقوله اللاذع: “موظف الدولة ممنوع يفكر!” إذ أنه يمنع على الموظفين الحكوميين أن ينشروا أرائهم قبل نيلهم الإذن الرسمي من رؤسائهم …يشرئب معترضا إذ ما ناداه أحد بلقب دكتور، رغم أنه كان يعلّم الفلسفة في جامعة الروح القدس، وقد كان أعد سابقا رسالة بحثية موسعة للدكتوراه حول فكر أنطوان سعادة، إلا أن واجب الانخراط في القضية اللبنانية والعمل الحزبي انتشله من الحياة الأكاديمية، فاكتفى بمنصبه كمدير لثانوية الجديدة الرسمية.

هو صاحب كتاب “لن نعيش ذميين” وأحد كبار المنظرين في طرح الفدرالية و “الحلول المتناقضة” لحلحلة عقدة النظام اللبناني، حيث يطرح قاعدته الذهبية وفكرته الإبداعية بوجوب قبول الأخر كما هو دون محاولة فرض تصوراتنا عليه، ولكن بالوقت عينه التمسك بذاتنا وهويتنا وخصوصيتنا المجتمعيّة دون الرضوخ فالانصهار ضمن قالب تصورات الأخر الذاتية. بالتزامن مع هذا النهج، يشدد على أن إرساء أي حل يجب أن يتأتى بالحوار والرضاء والقبول المتبادل بكل حسن نية بعيدًا عن الفرض والتلطي بظروف الاستقواء و الهيمنة… إذ أنه لا طالما ردد أن ما يأتي بالقوة يذهب بالقوة، أما ما يأتي بالإرادة الخالصة فيترسخ في الوجدان …

إنه يدخل عامه الثمانين بكل إباء وشموخ وتمسك بالقضية… أية قضية؟ قضية العيش الحر في لبنان والشرق.

الأستاذ أنطوان نجم

الأستاذ أنطوان نجم

رغم كل هامته الفكرية العظيمة وأمجاده السياسية و دوره “المرجعي” كأحد صناع تاريخ لبنان الحديث، وكثرة انهماكه بالإنكباب على “مشروع” مستقبلي هائل في قيمته العلمية – السياسية، ورغم كل المكونات المطلوبة لاستحضار تجارب الغرور والتعالي التي قد تفتك بأي إنسان وإن كان من العلماء والمفكرين، فإنك تدخل عليه لترى إنسانا متواضعا غير مدعٍ ومنصت للآخرين لو مهما كان حديثهم بسيطا، وغير “متشاوف” ولا متفاخر وغير محط من قدر الأخر انطلاقا من مسلمات المعرفة والمناصب المسبقة كما تتصرف البورجوازية الفكرية،  وغير قاطع بتجهيل من كان جاهلا ولا يطول بك الوقت لتكتشف أنك في حضرة امرئ يحمل في داخله مزايا القيم الرسولية، إذ تلمس لديه الحماسة والمحبة والاندفاع لا لغاية شخصية ما، إلا من أجل “الكلمة”. تلك الكلمة الإنجيلية التي علمت بحرية الإنسان و مساواة البشر من أجل التحضير للمسار ألخلاصي، والتي تجسدت في الحقل السياسي، حسب رأيه، عبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجميع المواثيق المكمّلة، إذ يعتبرها المرجعية العليا لصوابية أي نظام أو دستور أو قانون .

الحديث معه يطول، ولكن الواقع الذي يعيشه أبهى، إذ أن الأستاذ نجم، بعيد اغتيال “بشير الجميل”، انسحب شيئا فشيئا من الحياة السياسية بعدما أن كان يترأس مصلحة العقيدة في حزب الكتائب و كانت له صولاته وجولاته في هذا المجال، و بعد أن كان من فريق العمل الذي تجمع حول بشير للسير معه نحو مشروع الرئاسة قبل سنوات طويلة من انتخابه وما تخلل ذلك من أحداث درامية وأخرى رؤيوية. فانكب مذاك على العمل الفكري المحض، إذ وضع مجموعة موسوعية تحت عنوان “أفاق مشرقية” تتناول كافة جوانب الفكر السياسي في لبنان، وتصويب المبادئ، وتصحيح المغالطات التاريخية، وتوضيح المنهجية الفكرية مقدما طروحات متماسكة للحلول الموجبة والتصورات المناسبة “النابعة من الواقع والبعيدة عن التبريج”،  للخروج من أزمة النظام مرّكزا على صيغة الدولة الاتحادية والتي يسبق نشوءها قيام أحزاب طوائفية بتكوين فدرالي، تكون الطريق الممهد لتغيير النظام بدءا من تكريسه في نفوس المحازبين المنتسبين لجميع الطوائف.

إضافة إلى هذه الكتب، واظب على كتابة المئات من المقالات في العديد من الصحف اللبنانية. “الفكر الملتزم” دائما ما يشدد عليه مبشرا بضرورة “الالتزام بالقناعات الذاتية أو الوفاء للنفس” و التكرّس من أجلها أقصى المستطاع، بعيدا عن العقائدية والتبعية اللتين يحتقرهما. أما قمة رأس الجليد التي تبوح ببعض من مكنونات حقيقة هذا “الفكر الملتزم”، وحقيقة هذه “الرسولية”، وهذه الرفعة والنزاهة، فتبرز من خلال تفانيه في حرصه الشديد على نشر معرفته ونقل أفكاره ومبادئه ، و شرح مقتضيات “القضية” عبر لقاءات شخصية مع مجموعات شبابية، وغير شبابية، محصورة بعيدا عن المحاضرات الاستعراضية والصالونات السياسية المصفوفة بغية تكوين الزعامات “الضيعجية”… بحيث يتحول اللقاء إلى موعدٍ ثابت من النقاشات العميقة وتبادل الحجة والحجة المضادة، فتمتد الجلسة ساعات عدة، وتتوالى لعدة أشهر.

لا يزال الأستاذ نجم حتى ساعتنا الراهنة، وهو في عيده التاسع و السبعين، متمسكا بهذه المسيرة، ومواظبا عليها منذ ما يجاوز العشرين عاما بشكل يومي، دون كلل أو ملل لدرجة أن “خريجيه” قد تجاوزوا الآلاف بكل أمانة…

وأذكر أني في إحدى اللقاءات قد اصريت عليه أن يريحني من عذاب ذنبي كل ما استثرت اعتراضه عند مناداته بالدكتور، فقال أنه يؤثر بمناداته باسمه أنطوان و لكنه إن كان لا بد من لقب فيكتفي باسم صفته في التعليم الرسمي”أستاذ”، معبرا عن مضضه بقبوله للألقاب..

وأنت فعلا أستاذ لا بل أكثر، أنت معلم! بسنين عديدة، وكل عام والإنسانية والحرية والفكر ولبنان وإياكم بخير.

———————————-

إقرأ للكاتب:

“مشروع اللقاء الأرثوذكسي” لقانون الإنتخابات النيابية في لبنان، دراسة قانونية في مدى دستوريته

طريقة بدعوية لعقد الزواج المدني في لبنان، الآن !!!

رسالة مفتوحة إلى مسيحيي سوريا

إلى الإخوة المُضطَهَدين في سوريا الحبيبة سلام…

أَرَدتُ في عنوان هذه الرسالة أن أُصَحِّح الخطاب المعهود إليكم، فكلّ من يتكلَّم عنكم يستخدم تعبير “المسيحيون في سوريا” وليس “مسيحيو سوريا”، وفي ذلك إنتقاص كبير من دوركم ومن رسالتكم في هذا الوطن المَشرِقيّ الكريم. فأنتم لستم بجالية أجنبية تسكن في بعض المناطق السورية، ولستُم بقطعة أثرية تجذب السيّاح لمعاينة بقايا المسيحية على تنوعها في بلاد الشام، والأهم أنّكم لستم بخزّانٍ بشري لدعمِ النظام على الثورة أو لدعمِ الثورة على النظام.

هذا ما هو في المبدأ، وهذا ما يُنتَظر منكم أن لا تكونوه، أمَّا إذا أردنا التَمَعُّن في السلوك المسيحي السوريّ، فهذا ما هو الحديث الأخر، وهذا ما هو كل ما قيلَ فيكم، وهذا ما يؤكِّد أنكم “المسيحون في سوريا” ولستم على الإطلاق “مسيحيو سوريا”، سامحوني على وقاحتي ولكن فظاعة اللحظة الحاضرة في وطنكم لا تحتمل اللطافة، ولا تحتمل مراعاة الخواطر.

وطالما تَكَلَّمنا عن مراعاة الخواطر، فهذا ما أنتم به تبرعون، وهذا ما برعتم فيه طوال تاريخكم الطويل، منذ أن فتحتم أبواب دمشق أمام الفتح العربي، إلى العصر الأموي ومعاهداتكم المسمومة مع خلفاء هذا العصر، وأخيراً على أمل الإنتهاء مع النظام البعثي في دياركم.

دير مارجرجس في حمص

دير مارجرجس في حمص

 إرتضيتم بالحكم الإسلامي ودخلتم في الذميّةِ أفواجاً، مُفَضِّلين العيش في العبودية على الموت في الحريّة، وإن حياة العبد هيَ الموت بذاته يتكرر يومياً على إمتداد التاريخ، وإن موت الحرّ هو الحياة المكللة بالشهادة الحقّة التي لا تساوِمُ على القناعات ولا على الحرّية. لقد كنتم الأدوات الطيّعة في بلاط الخلفاء، كنتم العملاء الذين كرهوا أن يتمتّع الموارنة بالحرية فشكيتموهم إلى سلاطينكم وأبوبكم العالية، كنتم التُجّار الذين قايضوا كنيسة يوحنّا المعمدان على القليل من الفضّة ومن الحرّية، وبفعلتكم هذه قضيتم على آخرِ شعلة نبوية كان المعمدان لا يزال يحملها لكم، فقطعتم رأس اخر الأنبياء وهديتموه إلى قصر هيرودوس على طبقٍ من الذلّ.

عِشتم في الذلّ والإضطهاد طوال تاريخٍ طويل، هذا ما أرتضيتم به وهذا ما أضحى قابعاً في عروقكم، وهذا ما أصبح الهواء الذي تستنشقوه يومياً، إلى أن لاحَت لكم نجمة البعث في الأفق فتبعتموها كما دخلتم في الذميّة، لقد إعتقدتم أن الحلف الأقلّوي سيَحميكم وسيضمن لكم الحقوق التي تُحسَدون عليها، لقد إعتقدتم أن العلوي والمسيحي يستطيعان أن يقبعا الملايين السنيّة تحت شعار العلمانية والتقدُّمية والمساواة… فبالله عليكم ماذا حصدتم؟ وأيّ مسيحية أنتم تعيشون ؟

ما هي هذه المسيحية التي ترتضي بالمجازر الوحشية في حماة وغيرها ضدّ الأخوان المسلمين لأنهم من أهل السنّة؟ ما هي هذه المسيحية التي ترتضي بأن لا تُبَشِّر وبأن لا تتمتع بحريّة الضمير وحريّة إيصال المسيح إلى كلّ قلب؟

أي مسيحية ترتضي أن يتوقف التاريخ في لحظة طمأنينة غادرة؟ وأي مسيحية هي التي تُكَرِّسُ رقاب الشعب لسيف السلطان؟ ما هي هذه المسيحية التي تتحالف مع الأقلية السنية في العراق بهدف الوجود وتتحالف مع الأقليّة العلوية في سوريا للهدف ذاته؟ ما هي هذه المسيحية التي تتناسى الحقّ، وتغُضّ النظر عن معاناة الشعوبِ بهدف وجودها؟

أي مسيحية تجعل من الإضطهاد قميصاً جديداً لعثمان، وتَقتُل لتفادي الإضطهاد في الوقت الذي لا يزال صوت يسوع يُدَويّ في أروقة التاريخ :”طوبى لكم إذا إضطهدوكم”

أي مسيحية ترتضي أن تصبح الذبيحة الإلهية مبخرةً مرفوعةً إلى جلالة الحاكم، وترتضي بأن تمُرّ عِظة الكاهن على مكاتب المخابرات قبل أن تُلقى من على منبر الكنيسة؟

ما هي هذه المسيحية التي تكره المُسلم السنّي؟ بل ما هي هذه المسيحية التي تعرف أن تكره؟ وما هي هذه المسيحيّة التي تكره الحريّة وتعشقُ الخوف؟

أيّ مسيحية هي التي تهرب من الكأس لتتجرّع الخيانة في ظلام الطمأنينة؟ ألا تعرفون أن تينة يهوذا لا تزال صلبة الأغصان، وأن حبل المشنقة لا يزال مُعَلَّقاً بإنتظار المجرم التالي؟

لقد تخيَّلتُم أن الدول تصنع الشعوب ونسيتم أن الشعوب تصنع الدول، لقد خُيَّلَ لكم أن المسيح بَشَّركم بالخوف والخيانة، لقد جعلتم من المسيح جباناً! لقد صنعتم منه مجرماً! إرفعوا أيديكم عن المسيح يا أيها الجبناء أو إقبلوا دعوته إلى البطولة والمحبّة.

 كفى تشويهاً لوجه رَبّي! كفى تخويفاً من يسوع المصلوب! أوقفوا الجرائم التي ترتكبونها بإسمه!

لقد أمضيتم القرون تزرعون الهواءَ سموماً، وقد حان وقت حصادكم لعواصف السموم. لقد عاكستم التاريخَ دوماً، فها ان التاريخ يصفعكم ويرميكم على هوامشه التي تشبه الجحيم. لقد أجَّلتُم ميعاد الكأسِ قروناً، ها هي آتية إليكم، فإما أن تقبلوها بالمحبّة والشجاعة التي أعطاكم المسيح، وإما أن تنسحبوا من تاريخ الخلاص نهائياً.

في النهاية يبقى لي أن أذكركم بأن الله لا يحبّ الفاتر المريض بل يتقيأهُ من فمه، يبقى عليكم أن تحترّوا، أن تشتعلوا بنار المحبّة المسيحية. هذا هو خياركم، هذه هي المسيحية، هذا هو حضوركم، ودون هذا الحضور لا يسعني القول إلا : على المسيحيّة السلام، وعلى شرقنا السلام، والسلام عليكم ورحمة البعث وبركاته.

———————-

إقرأ أيضاً:
عشر ملاحظات في الثورات العربية

ماذا يجري في تركيا: ميدان “تقسيم” طريق الى صندوق الإنتخابات المبكرة؟