إزدهار السينما التركية.. الانقلاب نعمة فنية

جو حمورة

reis-movie-1

باتت محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة في تركيا، فرصة للمنتجين السينمائيين لتقديم أعمال سينمائية، وتحوّل الحدث السياسي إلى نعمة فنية تملأ جعبهم بالأموال وأوقاتهم بالعمل. كما فتحت شهية شركات الإنتاج التي واظبت على تقديم الدراما في وقت سابق، للتوجه سريعاً إلى إنتاج أفلام قصيرة عن حياة بعض الأفراد الذين لقوا حتفهم خلال المحاولة الانقلابية، فيما راح آخرون يحضّرون للعمل على فيلم عن الإنقلاب.

“اتحاد أوراسيا الإعلامي” يعمل حالياً على تصوير فيلم “المحاولة”، وذلك من أجل “تحقيق فهم صحيح حول ما شهدته تركيا ليلة 15 تموز، وللفت الأنظار إلى وحدة الشعب التركي في تلك الليلة التي وقعت فيها محاولة انقلابية فاشلة”، بحسب ما قال رئيس الاتحاد، خالد ضيا ألب تكين. كما أعلن منتجو مسلسل “وادي الذئاب” أنهم سيعدّون فيلماً يتناول محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا، وذلك “تلبية للطلب الجماهيري الكبير”.

فالسينمائيون، من منتجين ومخرجين وممثلين وشركات، كانوا منذ بضع سنوات مقربين من السلطة السياسية، ورفضوا في الأسابيع الماضية، المحاولة الانقلابية، فردياً أو من خلال نقاباتهم، واصطفوا إلى جانب الشرعية ضد الانقلابيين. كما شاركوا بقوة وبشكل متميّز في المظاهرات الداعمة للحكومة بعد 15 تموز، وإتخذوا مكاناً لهم على منصات المهرجانات المحلية في ساحات المدن للدفاع عن السلطة ومعارضة محاولة الانقلاب.

وتأتي تلك الجهود في ظل ازدهار السينما التركية والتنوّع في انتاجها، إذ تواكب المتغيّرات التي تمر بها البلاد وتستغل الأحداث السياسية من أجل تقديم المزيد من الإفلام إلى الجمهور.

وعلى الرغم من إزدياد قدرة القطاع السينمائي على تقديم المزيد كمّاً ونوعاً وحصده للجوائز بشكل دائم، إلا أنه يبقى مقرّباً جداً من الحكومة التركية التي تستخدمه تارة في الترويج لنفسها داخلياً وتارة في الخارج. غير أن التحالف بين السلطة السياسية من جهة وشركات إنتاج الأفلام من جهة أخرى لا يمنع من استفادة وتألق هذخ الأخيرة، كما ازدياد قدرتها على التأثير في الجمهور المحلي والعالمي.

ولا تغيب الأفلام السياسية التي تؤرّخ لحياة أفراد كان لهم تأثير في الشأن العام عن العرض في دور السينما، وكان آخرها إنتاج فيلم يؤرخ لحياة رئيس تركيا الحالي رجب طيب أردوغان. ويتطرق هذا الفيلم الذي يحمل عنوان “الريّس” إلى طفولة أردوغان وشبابه ونضاله الاجتماعي والسياسي، وصولاً إلى فترة دخوله السجن وخروجه منه عام 1999.

وعلى الرغم من اعتبار منتج الفيلم علي آفجي أن إنتاجه “لا يروّج لشخص ولا هو متحيّز”، إلا أن الكثير من النقّاد والمعارضين يجدون صعوبة في تصديق كلامه ويؤكدون على عكسه. وينتظرون تاريخ عرض الفيلم في 14 تشرين الأول القادم للتأكيد على آرائهم.

وحتى ذلك الوقت، تشارك السينما التركية في 11 فيلماً في “مهرجان مونتريال الدولي للأفلام”. هذا الرقم الكبير لصناعة الأفلام التركية تُعطي فكرة عن تطور هذا القطاع كمّاً ونوعاً. فمنذ سنوات قليلة، كانت السينما التركية متواضعة الإنتاج وتركّز في الغالب على أفلام موجّهة للجمهور المحلي، إلا أن الأمور تغيّرت خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل جذري، حيث باتت ميزانية صناعة الأفلام التركية توازي المليار دولار سنوياً.

تنتج “يشيل تشام”، أو هوليوود تركيا، مئات الأفلام كل عام، وتتوزع بين الكوميدي والرومانسي والاجتماعي. في حين برزت، خلال السنوات القليلة الماضية، الأفلام السياسية ذات الإنتاج الضخم، والتي بات لها جمهورها الخاص الذي يوازي بحجمه جمهور الأفلام الأخرى.

فمن فيلم “رجل حر” (2011) الذي يؤرخ لحياة سعيد النورسي (متصوّف ساهم في حرب الإستقلال)، مروراً بفيلم “فاتح 1453″ (2012) الذي يعالج موضوع دخول العثمانيين إلى القسطنطينية، وصولاً إلى “المكتوب الأخير” (2015) الذي تجري أحداثه خلال الحرب العالمية الأولى. تحصد هذه الأفلام السياسية الثناء في الداخل، كما الشهرة والجوائز في الخارج.

وبسبب كثرة تردده، بات خبر حصد بعض هذه الأفلام لجوائز على المستوى العالمي خبراً عادياً بالنسبة للأتراك. إذ لا يمر مهرجان عالمي للسينما ولا يكون لـ”يشيل تشام” حضور فيه، خصوصاً أن صناعة الأفلام التركية باتت، من حيث الحجم، في المركز الثالث عالمياً، بعد الولايات المتحدة الأميركية والهند، وذلك بحسب السفير التركي في كندا سلجوق أونال.

نشرت أولاً على موقع المدن الإلكتروني