نشر أولاً على موقع المفكرة القانونية
تشكّل القضية الكردية واحدة من أكثر قضايا الشرق الأوسط تعقيدا. وهي القضية المؤجّل حلّها منذ قرن تقريباً حين أقرّت معاهدة “سيڨر” حق الأكراد بحكم ذاتي في العام 1920، ثم ألغيت دون أن يطبق منها شيء. أما اليوم، فيتأرجح مصير معتنقي القضية الكردية بين حدّي الفناء والقمع الدائم من جهة، والاعتراف المشروط بوجودهم كقومية لها هويتها الثقافية واللغوية والسياسية المميزة من جهة أخرى.
كذلك الأمر، تُعتبر القضية الكردية مثالاً على فشل أنظمة مركزية ذات مجتمعات مركّبة وتعدّدية في تحقيق الاستقرار الداخلي. ففي الدول الأربعة التي يعيش فيها الأكراد تاريخيا، فشلت الأكثريات القومية، العربية والفارسية والتركية، في إعطائهم حقوقا ثقافية وسياسية.
وحده الدستور العراقي الذي تم اقراره في 2005 بعد سقوط نظام البعث العربي الاشتراكي، كفل قيام إقليم كردستان شمال البلاد حيث يتمتع الأكراد فيه بحقوقهم الخاصة. أما في سوريا، فمنع معظم الأكراد من الحصول على الجنسية السورية وما يترتب لحامليها من حقوق (أقله حتى 2011)، كما تم منعهم من استخدام اللغة الكردية، ثم تكفّلت الحرب السورية الحالية بتقدم لغة السلاح والقوة على منطق الحقوق والقانون والنضال السلمي للأقلية الكردية. وفي إيران، يمنع الأكراد أيضا من استخدام لغتهم بشكل رسمي وممارسة أعيادهم الخاصة.
أما في تركيا، حيث يسكن حوالى نصف أكراد العالم، والمُقدّر عددهم فيها بـ15 مليوناً، فواقعهم أفضل حالاً من الدول المجاورة الأخرى. إذ أن ظروفهم الاجتماعية والسياسية قد تحسّنت في العقد الأخير بعد نضال استمر مائة عاما، في حين كان آخر إنجاز لهم هو دخول أوّل حزب ذات هوية كردية إلى البرلمان التركي عام 2015، بعد سياسة انفتاحية مشروطة مارسها حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي الحاكم تجاههم.
القمع القومي التركي لـ”أتراك الجبال“
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، غلب الانتماء الإسلامي على الهوية القومية عند الأكراد، فشاركت معظم قواهم الحيّة في الحرب باسم الجهاد المقدّس الذي أعلنته السلطنة العثمانية، وتحت لواء الأخوّة الإسلامية مع الأتراك في مواجهة القوى الغربية[1]. ومع انكسار السلطنة وتوالي اتفاقات السلام المفروضة عليها من القوى الأوروبية، أمل الأكراد بتحقيق مكاسب خاصة في النظام الدولي الجديد. فجاءت معاهدة إقرأ المزيد