المعارضة “تبايع” أردوغان.. البحث عن شريك دولي جديد


جو حمورة

5_d

مع مرور شهر كامل على المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، يمكن القول أن الأزمة الناتجة عنها قد شارفت على النهاية. في الداخل، سيطر الحكم على المؤسسات العسكرية، وأحكم قبضته على كامل الأجهزة الإدارية والقضائية، وبات الآن يتحضر للعب دور جديد في الخارج لن تكون روسيا إلا شريكاً أساسياً فيه.

أكثر من 5 ملايين تركي تجمعوا في الساحات للقول “لا للإنقلاب ونعم للديمقراطية” في 8 آب الحالي تلبية لدعوة الرئيس رجب طيب أردوغان. لم يكن هذا التجمع استثنائياً من ناحية حجمه فقط، إنما، كذلك، بنوعية الضيوف والمشاركين فيه. إذ حضر اللقاء مناصرو الحزب الحاكم كما معظم أحزاب المعارضة، بالإضافة إلى من بقي في الخدمة من جنرالات الجيش التركي وكبار الموظفين، ووقفوا جميعاً جنبياً إلى جنب تحت عباءة رجل تركيا الأقوى.

تكلم الرئيس التركي لساعات طويلة أمام الحشود المنتمية لمختلف الأحزاب. وهو الأمر الذي يشكّل بحد ذاته ظاهرة استثنائية، إذ يبقى لقاء الأحزاب في تحركات شعبية مشتركة أمراً نادراً جداً، ولا يتم إلا في الأعياد الوطنية وغالباً بأعداد ضئيلة. وشهد التجمع – الحدث غياباً وحيداً عكّر بريق الصورة الوطنية الجامعة، وتمثل بعدم دعوة حزب “الشعوب الديمقراطي” الكردي الممثل في البرلمان، والذي استُثني من دعوة “الدفاع عن النظام الديمقراطي” كما بقية الأتراك.

إلا أن فقدان القطعة الكردية من اللوحة التركية الوطنية لم تعنِ فشل التجمع، إنما أثبت هذا الأخير بطريقة تنظيمه وضيوفه وكلماتهم عدة حقائق باتت مؤكدة. ومنها أن أردوغان نقل موقع رئاسة الجمهورية من موقع بروتوكولي جرده الدستور من صلاحيات حقيقية إلى الحجر الأساسي في النظام السياسي، بل بات بحكم شخصيته وشعبيته وسيطرته على دوائر القرار في حزب “العدالة التنمية” والحكومة بصفة الحاكم بأمره. كما وضع الرجل معظم أحزاب المعارضة، العلمانية والقومية منها، تحت جناحه، بحيث باتت تردد خطابه وتعيد ما ينطق به دون أن تدري. وبدل الحياد عن المعركة الدائرة بين الحكومة التركية وجماعة الإنقلابيين مثلاً أو أخذ موقف متمايز عنهما، التحقت أحزاب المعارضة بالسلطة وراحت تدافع عنها وتغدق عليها النعوت الحسنة، فباتت لاعباً مساعداً لا أساسياً في المعركة الدائرة بين الشرعية وجماعة الداعية الإسلامي “فتح الله غولن” المتهم بقيادة الإنقلاب الفاشل.

لا شك في أن تراجع تأثير المعارضة التركية من ناحية، وقدرة الحكم على طرد واعتقال آلاف المناوئين له من ناحية أخرى، قد جعلت من أردوغان والحكومة التركية يشعران بالراحة الآن بعد تحسسهما قرب دنو أجلهما ليلة الإنقلاب. فالملايين المؤيدة للشرعية، وقدرة الحكم على التصرف حسبما يشتهي داخلياً ستجعله، بعد فترة، أكثر حرية وقدرة في التصرف في الخارج، وهذا دون خوف من أزمة سياسية محلية أو تقاعس جنرالات عن تنفيذ أوامر السلطة السياسية.

خارجياً، تتحضر تركيا للعب دور جديد في محيطها. لن تتخلى عن سياسة “التنسيق الدائم” مع الولايات المتحدة الأميركية في الشؤون الإقليمية بطبيعة الحال، إلا أن البحث عن شريك دولي جديد بات أكثر من ضرورة. فرفض أميركا تسليم “غولن” إلى السلطات التركية، والتردد في إدانة المحاولة الإنقلابية، كما كثرة الانتقادات لسياسة أردوغان الداخلية جعلت من العلاقة الطيبة معها بالنسبة للأتراك موضوع شك.

وفي أول زيارة له إلى الخارج بعد المحاولة الانقلابية قام الرئيس التركي بزيارة نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وكان قد سبقها تبادل المكالمات الهاتفية الودية بين الجانبين، كما رفع العقوبات التي فرضها كل طرف على البلد الآخر، بالإضافة إلى خروج وزيري خارجيتي تركيا وروسيا من لقائهما الأخير بانطباعات إيجابية كانت غائبة منذ سنوات عن العلاقة بين البلدين.

من الناحية التركية، تأخذ عملية إصلاح العلاقة مع روسيا صفة الإستعجال والضرورة. فإزعاج وإبتزاز الولايات المتحدة ورئيسها العتيد في الشرق لا يمكن أن تتم في فترة توتر العلاقات مع روسيا. كما إن أنقرة بحاجة إلى موسكو لخلق التوازن مع الإتحاد الأوروبي، خاصة وأن التسويات المتعلقة باللاجئين ومسيرة الإنضمام إلى الإتحاد الأوربي متعثرة اليوم أكثر من أي يومٍ مضى، وهذا وسط بلوغ الانتقادات الأوروبية لتركيا وساستها مرحلة الذروة. بالإضافة إلى أن الأحداث المتلاحقة في سوريا قد أثبتت أن روسيا لن تغادرها قريباً، وإن الحرب لن تنتهي بغالب ومغلوب، إنما عبر تسوية دولية وإقليمية لا يمكن أن يكون الروس والأتراك إلا عرابيها الأساسيين من أجل ضمان نجاحها.

أما من الناحية الروسية، فالمصالحة مع الجارة التركية لا تبدو سيئة كذلك. إذ أن العقوبات الدولية المفروضة عليها، والحساسيات الدائمة مع الاتحاد الأوروبي، كما تقهقر حليفها السوري في مدينة حلب ومناطق أخرى تجعل من التلاقي مع الأتراك أمراً مفيداً. هذا في وقت يبقى السوق التركي المكان الأحب إلى قلب الروس لتصريف إنتاجهم الغازي والنفطي وضخ العملة في اقتصادهم المهترئ، كما “الشريك” الذي يمكن التكلم معه عقلانياً لحل المشاكل الناتجة عن صعود الإسلام العنفي في آسيا الوسطى وداخل جمهوريات روسيا الاتحادية.

ولكن السؤال الأبرز يبقى حول انعكاس التلاقي الروسي – التركي على الوضع في سوريا. خصوصاً بعد توجيه انتقادات إلى حجم التدخل الروسي في معركة حلب وتحميل موسكو جزءاً من المسؤولية حول الاختراق الذي حققته المعارضة. فهل سيكون هذا التلاقي على حساب النظام السوري ككل، أم إن التسوية الأساسية القاضية بمغادرة بشار الأسد وبقاء نظامه ستوافق عليها تركيا؟

نشرت أولاً في مجلة المسيرة، عدد 1572.

Leave a Comment