كان صغيرا وفي عيونه براءة الأطفال الصافية، كان مميزاً من بين الأولاد في سنه مع إنه يعيش في منزلٍ وعائلةٍ مستقرةٍ عادية، حينها أدخل أهل شكيب ولدهم إلى إحدى المدارس التابعة لمطرانية بيروت المارونية طمعاً بمستواها العلمي الجيد.
خلال حصص التعليم الديني الإلزامية في المدرسة لسنوات عدة، لم يعلق في ذهن شكيب سوى ما علموه إياه عن الله وهو: الله القوي، العنيف، الباطش، المخيف، الله الذي يعاقب ويأمر ويقاصص…وذلك بسبب تركيز التعليم الديني في هذه المدارس على العهد القديم وأحداثه وطبع صورة الله في أذهان الأطفال على أنه المراقب للجميع، الحاد الطبع، الباطش والمعاقب الذي يأخذ حياة البشر لأنهم لم يعبدوه، من دون أن ننسى تأثيرات الأفكار الشعبية المتداولة بين الأطفال: كفكرة ظهور القديسين في الليل ليخنقوا من يعصوا الأهل والأساتذة، وطبعاً فكرة موت المسيح وقيامته، ولولا هاتان الفكرتان الأخيرتان لظننا أن المدارس المسيحية تربي أطفالاً يهود.
كبر شكيب وبات الآن طالباً جامعياً، فقرر الانخراط في العمل الرعوي الجامعي فأصبح رئيس التجمع، كما بات خادماً في كنيسة رعيته معظم أيام الأسبوع.
من ثم جهد في درس اللاهوت لفترة، كما انخرط لمدة في إحدى الأحزاب المسيحية المعروفة بموازاة ذلك. من الأمور التي لازمت حياته خلال هذه المرحلة صعوده كل ليل جمعة إلى دير عنايا في جبيل، ولم يدع “عيد سيدة” واحد يمر إلا وأمضاه في بلدة “دير الأحمر”، يفضل قراءة الإنجيل للمرة العاشرة والتأمل في صور القديسين المصفوفة على الرفوف في غرفته على أن يمضي أمسية غنائية مع رفاقه مثلاً.
يناقش الجميع حول الدين لكأن إلهه اصطفاه من بين البشر ليتكلم بإسمه، ويعتبر أن من لا يأخذ المسيح مخلصاً له فهو ضالٌ أعمى. يزدرئ الطوائف الأخرى، ويرجم غيره باتهامات أنه مسكون بالعفاريت والشياطين إن خالفه بأمرٍ ما كالقول له أن العهد القديم هو مجرد قصص وأساطير خرافية ورمزية تناقلها الشعب اليهودي وهي ليست بحقائق فعلية.
يرفض فكرة الزواج المدني والمساكنة والإجهاض وأي شيء لا تبرره الكنيسة المعصومة، كما يقول عنها. مع أنه يرى أن الفساد والتزمّت والتخلف في الكنيسة موجود إلا أنه يعتبره بسيط وضروري للحفاظ على متانة المجتمع، كما يرى التشدد الديني ضروري طالما بنظره الحقيقة المطلقة لكل شيء تقررها تعاليم الكنيسة…
بعد ضغوطات عدة من أهله، حاول شكيب لأكثر من مرة الارتباط جدياً بفتاة ما لكنه فشل، حيناً لأنه لم يجد الحب مقارناً ما يريده من حب منها مع رؤيته لحب المسيح لعارفيه… وأحياناً لأنه من كثرة ما تعوَد على صورة الله الباطش والقوي، حسب ما طُبعت في ذاكرته ولاوعيه منذ الصغر، أراد في قرارة نفسه فتاة مماثلة تتحكم به، فسار الأمر على ما يهوى لفترة مع بضعة فتيات ليعودوا ويتخلوا عنه بعد أشهر بحجة الملل.
أحس شكيب بالمرارة من ظلم الحياة المدنية، نتيجة للفشل العاطفي والمادي والمعنوي المتكرر، فقرر متابعة دراسته للاهوت طامحاً ليصبح خوري أخذاً المطران بولس مطر مثالاً له! قاسماً أن ظهوراً عجائبيّ ما قد حصل معه. لذا، درس سنوات أخرى كتابه المقدس وتعاليم كنيسته مبتعداً عن مجتمعه وبنات الجنس الآخر، متخذاً قرار البقاء بتولاً مدى العمر خدمةً للمسيح!
بعد مرور سنوات عدة تخرج الخوري شكيب بحضور أهله وحفنة مِن مَن تبقى له من أصدقاء، ليعود ويصبح أستاذ التعليم الديني في نفس المدرسة التي تخرج منها، فمارس التعليم هناك وكان هدفه إصلاح الشبيبة حسب ما يقول، وخلال هذه السنوات كانت أفضل لحظات في مسيرته التعليمية حين يروي على طلابه:
– قصة كيف أمر الله إبراهيم قتل ابنه إسحق في الجبل .
– قصة تحويل الله زوجة لوط إلى عامود من الملح لأنها عصته.
– قصة كيف سلب الله أيوب أولاده وماشيته وصحته ليختبره .
– قصة ضربات الله العشر للمصريين، ليطلق فرعون سراح الإسرائيليين.
– قصة كيف شق الله البحر الأحمر ليعود ويردمه ماءً قاتلاً ألاف المصريين .
– قصة أمر الله موسى بقتل 300 شخص لأنهم عبدوا عجلاً ذهبياً .
– قصة كيف يرسل الله الثعابين على الشعب لأنه عصا أمره وتململ.
– قصة تزعزع سلطة موسى وتنافسه مع آخرين حين قتل الله جميع معارضيه قرب خيمة تابوت العهد.
وغيرها الكثير من القصص “الرائعة” الأخرى من العهد القديم التي يعلمها الخوري شكيب لطلابه، ليعود وينهي كل حصة قائلاً لهم: “إن الله يحب الناس جميعاً وذلك يظهر في أعماله كلها ! “
————————–
إقرأ أيضاً:
الطائفية في الأمثال الشعبية اللبنانية