على الرغم من حسن العلاقات التي كانت تربطها مع الأنظمة العربية، وقفت تركيا خلال الربيع العربي إلى جانب الشعوب الثائرة على حساب علاقتها مع هذه الأنظمة. إلا أن هذا الموقف أدّى إلى تراجع دور ونفوذ تركيا في المنطقة العربية بعد العام 2011، في حين لعبت الحرب السورية دوراً كبيراً في خسارتها للصورة الجيدة التي سعت إلى إظهارها للعرب منذ العام 2002، فيما باتت الأزمة السورية المجمّدة بمثابة مشكلة لتركيا أكثر مما هي فرصة لها للعودة إلى الشرق بقوة من جديد.
سعت تركيا خلال الحرب السورية إلى دعم المعارضين للنظام السوري بكل ما استطاعت. فمن تقديم الدعم المادي والتقني واللوجستي، مروراً بالدعم الدبلوماسي والسياسي والإعلامي، وصولاً إلى إيواء اللاجئين السوريين على أراضيها، لم توفر تركيا فرصة إلا وحاولت نصرة المعارضين السوريين وزعزعة استقرار النظام السوري. إلا أن العمل العسكري التركي الواسع الذي راهن عليه المعارضون السوريون لم يتم، فيما بقيت تركيا مهتمة بمصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي أكثر من اهتمامها بكل ما آلت إليه الحرب السورية.
ولتركيا عدد من المصالح الاستراتيجية في سوريا، أهمّها مسألة ضريح سليمان شاه (جد مؤسس الإمبراطورية العثمانية) التي نقلت تركيا رفاته إلى أراضيها في عملية عسكرية خاطفة ليل الثاني والعشرين من شباط الحالي. وتخضع الأرض التي يقوم عليها الضريح في شمال مدينة حلب إلى السيادة التركية وفقاً لاتفاق معقود عام 1921 مع سلطة الانتداب الفرنسي، ويحرسه جنود أتراك، إلا أن تنظيم “الدولة الإسلامية” بات يسيطر على محيطه حسب المسؤولين الأتراك. وعلى الرغم من اعتبار رئيس الحكومة التركية، أحمد داوود أوغلو، أن “العملية العسكرية تقرّرت بسبب تدهور الوضع حول المنطقة التي تضم ضريح سليمان شاه”، إلا أن توقيت العملية مرتبط بالاتفاق التركي – الأميركي على تدريب مقاتلين معارضين، كما تدلّ على إعطاء أميركيا الضوء الأخضر لتركيا لتدخل أكبر في سوريا.
وكانت تركيا قد قامت بهذه العملية حسب أوغلو نفسه “بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي”، وضمت قوّة كبيرة مؤلفة من 572 جندياً تركياً مع 100 عربة عسكرية مروا في الأراضي السورية إلى مكان الضريح البعيد 30 كلم عن الحدود التركية. وللعدد الكبير المستخدم في العملية العسكرية إشارة سياسية واضحة من أنقرة لواشنطن أنها ليست في وارد التخلي عن أي من مصالحها وسيادتها، كما تُظهرها بمظهر من يمتلك القوة والحركة والفعل في الأزمة السورية أكثر من أي طرف إقليمي آخر.
بالتوازي مع هذا التطور الخارجي، يسعى حزب “العدالة والتنمية” الحاكم داخلياً إلى إقرار قانون يتعلق بالأمن الداخلي والخارجي في البرلمان، إلا أن الأحزاب المعارضة جميعها، بالإضافة إلى بعض نواب الحزب الحاكم، تعارضه، لأنه يحد من الحريات الفردية حسب قولها. أما اليوم، وبعد هذا التطور الخارجي، والإظهار للشعب التركي أن الأخطار على مصالح تركيا وأمنها كبيرة في سوريا، أصبح إقرار القانون مسألة وقت، خاصة بعدما وعد رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، بـ”أن القانون سيمر بطريقة أو أخرى”.
كذلك، يتحضّر الحزب الحاكم لإنتخابات برلمانية مهمّة في حزيران المقبل، والتي من المرجح أن يفوز فيها بأكثرية أكبر مما يملكها اليوم. ما يجعله، في نهاية المطاف، أكثر حرية في إدارة الشؤون الداخلية، كما تلك الخارجية، مع ما يعني ذلك من إمكانية للتدخل أكثر في سوريا، ولكن تحت المظلة الأميركية، خصوصاً أن الدفعات الأولى من المقاتلين السوريين المعارضين الذين اتفقت تركيا وأميركا على تدريبهم سيكونون قد باتوا جاهزين للنزول إلى الميدان السوري في الصيف المقبل.
نشرت أولاً في مجلة المسيرة في 02 آذار 2015 (العدد رقم 1497)
———————-
إقرأ أيضاً:
صعود العلويين في تركيا رغم غياب الاعتراف الرسمي
ثورة روميّة ناقصة وأخرى إسلاميّة شاملة
مقالات أخرى عن تركيا