نشر أولاً على موقع المفكرة القانونية
لا يختلف المجتمع التركي في تعدديته الدينية والطائفية عن المجتمعات الأخرى في دول الشرق الأوسط. فهذه الدول، وإن كانت تحتوي على أكثريات وأقليات متنوعة، إلا أنها محكومة غالباً بدرجة أو بأخرى من قِبل إحداها. وعلى الرغم من أن تركيا ونظامها السياسي أكثر علمانية من بقية الدول المجاورة، إلا أنها لا تشذ عن قاعدة صراع الطوائف الرائج في محيطها الشرق أوسطي، في حين لا تغيب الطائفية عن دناميات المجتمع التركي من ناحية أو سياسات السلطة من ناحية أخرى.
وتضم تركيا العديد من الأقليات الدينية، كالمسيحية واليهودية والعلاهية[1]، على أن هذه الأخيرة غير معترف بها كدين أو طائفة مستقلة كما يطمح أبناؤها. كما أنه ليس لها عملياً كامل الحقوق كأعضاء الأكثرية السنّية التي تسيطر على السلطة. وفي الوقت الذي يحكم تركيا حزب “العدالة والتنمية” ذو الجذور الإسلامية السنّية المحافِظة، تكثر الضغوطات على الأقليات الدينية حيناً، فيما يتم إعطاؤها بعض الحقوق أحياناً أخرى، إلا أن معظمها يتم إستخدامه كأدوات في السياسة الداخلية والخارجية التركية.
قانونياً، رعت اتفاقية “لوزان” الموقّعة بين الدولة التركية والدول الغربية حقوق كل من الأقليات اليونانية (الأرثوذكسية) والأرمنية واليهودية في تركيا. وأعطت هذه الاتفاقية، السارية المفعول منذ توقيعها في تموز/يوليو من العام 1923، صفة الأقليات المعترف بها لهذه الجماعات الثلاث حصراً ونظمت شؤونها الدينية وشروط المواطنة لها. كما ضمنت لأبنائها حرية العبادة والعمل. في المقابل، لم تصنّف هذه الاتفاقية، أو غيرها، العلاهية أو السريانية كأقليات دينية أو طائفية معترف بها بشكل رسمي في تركيا.
وتنص مواد عدة من الاتفاقية على ضرورة تأمين الحماية والحرية لليونانيين والأرمن واليهود في ممارسة طقوسهم الدينية بالطريقة التي يريدونها، كما المساواة في الحقوق المدنية والوظيفية والسياسية مع بقية المواطنين. بالإضافة إلى ذلك، تسمح الاتفاقية لهذه الأقليات الثلاث باستعمال لغاتها الخاصة، كما ضمنت لهم إنشاء وإدارة جمعيات خيرية ودينية واجتماعية وتعليمية، وفرضت على السلطات احترام أحوالهم الشخصية وفقاً لتقاليدهم الخاصة، كما تأمين الحماية لمراكزهم الدينية [2].
الطوائف المسيحية في خدمة السياسة الخارجية
إلا أن القانون شيء، والواقع غالباً ما يكون شيئاً آخر. فقد عمدت السلطات التركية المتعاقبة خلال القرن الماضي، ورغم علمانيتها المفترضة، على وضع يدها على إقرأ المزيد