العلاقة الوجدانية بين العرب والحذاء

تعود علاقة العرب بالحذاء إلى مراحل تاريخية قديمة، وهي علاقة متجذرة وقوية، سنشرحها في هذه الدراسة الصغيرة، التي “يشوبها” بعض الإستهزاء، بطريقة منهجية تاريخية. كذلك نلفت انتباه القارئ إلى أن مضمون النص عنصري تجاه العرب ! 

***

أولا: حذاء أبو القاسم الطنبوري

“أبو القاسم الطنبوري” هو شخصية تاجر من بغداد يتسم بالبخل رغم غناه، ظل يستعمل نفس الحذاء لمدة سبعة سنين وكلما تَقَطّع منه موضع جعل مكانه رقعة، إلى أن صار في غاية الثقل، وصار الناس يضربون به المثل… حاول “أبو القاسم الطنبوري” التخلص من الحذاء القديم والبالي، لكنه كان يعود إليه في كل مرة يحاول التخلص منه مسجلاً أروع قصة حب ووفاء بين الإنسان العربي والحذاء، ليتبين مدى أهمية الحذاء ومدى إخلاصه لصاحبه معلناً بصورة رمزية أسطورية إحدى إعجاز العرب. (راجع كتاب “ثمرات الأوراق في المحاضرات” لـ تقي الدين بن حجة الحموي)

امرأة سورية تضع الحذاء العسكري على رأسها في مظاهرة داعمة للجيش السوري

امرأة سورية تضع الحذاء العسكري على رأسها في مظاهرة داعمة للجيش السوري

ثانيا: قصة “خفيّ حنين”

كان هناك بائع أسمه “حنين” أتاه رجل إعرابي أراد أن يشتري منه خفين فاختلفا على السعر، وأراد “حنين” أن يكيد له فذهب إلى طريق قرية الإعرابي فوضع الخف الأول في الطريق ووضع الثاني على مسافة بعيدة من الأول وأختبئ خلف شجرة. ثم أتى الأعرابي فرأى أحد الخفين فقال ما أشبه هذا بخف “حنين” ولو كان معه أخر لأخذته وعندما سار رأى الأخر مطروحا، فندم على تركه الأول فنزل عن ناقته وربطها ثم رجع إلى الأول، فخرج حنين من مخبأه فحلّ ربطة الناقة وسرقها منه. رجع الإعرابي إلى قريته فسألوه قومه بماذا عدت فقالـ: “بخفيّ حنين” وشاعت هذه القصة على صورة مثل “وهو عاد بخفيّ حنين”، وهذا المثل يُضرب على كل من رجع خائباً ومهزوماً…وهذا ما يشبه عودة العرب من جولاتهم وصولاتهم العسكرية التي تذكرنا بخفي حنين وبحالة الهزيمة المستمرة والخيبات المتتالية والعجز العربي، كما تبرز لنا مدى توطد علاقتهم بالحذاء.

ثالثا: الحذاء وتاريخ مصر

تكشف الدراسات التاريخية أن “شجرة الدّر” (أميرة حكمّت مصر لمدة 80 يوماً في عام 1250م) وبعد إجبارها التنازل عن الحكم، حاولت التآمر على الملك “عز الدين أيبك” فقتلته، فقبض عليها المماليك وسلموها إلى زوجته الملك، التي أمرت بدورها جواريها بالهجوم على “شجرة الدّر” وضربها بالقباقيب (نوع من الأحذية) حيث فارقت الحياة بسبب صفع النساء لها إقرأ المزيد

“الخوري” شكيب والجريمة المكررة

جو حمورة

كان صغيرا وفي عيونه براءة الأطفال الصافية، كان مميزاً من بين الأولاد في سنه مع إنه يعيش في منزلٍ وعائلةٍ مستقرةٍ عادية، حينها أدخل أهل شكيب ولدهم إلى إحدى المدارس التابعة لمطرانية بيروت المارونية طمعاً بمستواها العلمي الجيد.

خلال حصص التعليم الديني الإلزامية في المدرسة لسنوات عدة، لم يعلق في ذهن شكيب  سوى ما علموه إياه عن الله وهو: الله القوي، العنيف، الباطش، المخيف، الله الذي يعاقب ويأمر ويقاصص…وذلك بسبب تركيز التعليم الديني في هذه المدارس  على العهد القديم وأحداثه وطبع صورة الله في أذهان الأطفال على أنه المراقب للجميع، الحاد الطبع، الباطش والمعاقب الذي يأخذ حياة البشر لأنهم لم يعبدوه، من دون أن ننسى تأثيرات الأفكار الشعبية المتداولة بين الأطفال: كفكرة ظهور القديسين في الليل ليخنقوا من يعصوا الأهل والأساتذة، وطبعاً فكرة موت المسيح وقيامته، ولولا هاتان الفكرتان الأخيرتان لظننا أن المدارس المسيحية تربي أطفالاً يهود.

كبر شكيب وبات الآن طالباً جامعياً، فقرر الانخراط في العمل الرعوي الجامعي فأصبح رئيس التجمع، كما بات خادماً في كنيسة رعيته معظم أيام الأسبوع.

من ثم جهد في درس اللاهوت لفترة، كما انخرط لمدة في إحدى الأحزاب المسيحية المعروفة بموازاة ذلك. من الأمور التي لازمت حياته خلال هذه المرحلة صعوده كل ليل جمعة إلى دير عنايا في جبيل، ولم يدع “عيد سيدة” واحد يمر إلا وأمضاه في بلدة “دير الأحمر”، يفضل قراءة الإنجيل للمرة العاشرة والتأمل في صور القديسين المصفوفة على الرفوف في غرفته على أن يمضي أمسية غنائية مع رفاقه مثلاً.

يناقش الجميع حول الدين لكأن إلهه اصطفاه من بين البشر ليتكلم بإسمه، ويعتبر أن من لا يأخذ المسيح مخلصاً له فهو ضالٌ أعمى. يزدرئ الطوائف الأخرى، ويرجم غيره باتهامات أنه مسكون بالعفاريت والشياطين إن خالفه بأمرٍ ما كالقول له أن العهد القديم هو مجرد قصص وأساطير خرافية ورمزية تناقلها الشعب اليهودي وهي ليست بحقائق فعلية.

يرفض فكرة الزواج المدني والمساكنة والإجهاض وأي شيء لا تبرره الكنيسة المعصومة، كما يقول عنها. مع أنه يرى أن الفساد والتزمّت والتخلف في الكنيسة موجود إلا أنه يعتبره بسيط وضروري للحفاظ على متانة المجتمع، كما يرى التشدد الديني ضروري طالما بنظره الحقيقة المطلقة لكل شيء تقررها تعاليم الكنيسة…

بعد ضغوطات عدة من أهله، حاول شكيب لأكثر من مرة الارتباط جدياً بفتاة ما لكنه فشل، حيناً لأنه لم يجد الحب مقارناً ما يريده من حب منها مع رؤيته لحب المسيح لعارفيه… وأحياناً لأنه من كثرة ما تعوَد على صورة الله الباطش والقوي، حسب ما طُبعت في ذاكرته ولاوعيه منذ الصغر، أراد في قرارة نفسه فتاة مماثلة تتحكم به، فسار الأمر على ما يهوى لفترة مع بضعة فتيات ليعودوا ويتخلوا عنه بعد أشهر بحجة الملل.

أحس شكيب بالمرارة من ظلم الحياة المدنية، نتيجة للفشل العاطفي والمادي والمعنوي المتكرر، فقرر متابعة دراسته للاهوت طامحاً ليصبح خوري أخذاً المطران بولس مطر مثالاً له! قاسماً أن ظهوراً عجائبيّ ما قد حصل معه. لذا، درس سنوات أخرى كتابه المقدس وتعاليم كنيسته مبتعداً عن مجتمعه وبنات الجنس الآخر، متخذاً قرار البقاء بتولاً مدى العمر خدمةً للمسيح!

بعد مرور سنوات عدة تخرج الخوري شكيب بحضور أهله وحفنة مِن مَن تبقى له من أصدقاء، ليعود ويصبح أستاذ التعليم الديني في نفس المدرسة التي تخرج منها، فمارس التعليم هناك وكان هدفه إصلاح الشبيبة حسب ما يقول، وخلال هذه السنوات كانت أفضل لحظات في مسيرته التعليمية حين يروي على طلابه:

– قصة كيف أمر الله إبراهيم قتل ابنه إسحق في الجبل .

– قصة تحويل الله زوجة لوط إلى عامود من الملح لأنها عصته.

– قصة كيف سلب الله أيوب أولاده وماشيته وصحته ليختبره .

– قصة ضربات الله العشر للمصريين، ليطلق فرعون سراح الإسرائيليين.

– قصة كيف شق الله البحر الأحمر ليعود ويردمه ماءً قاتلاً ألاف المصريين .

– قصة أمر الله موسى بقتل 300 شخص لأنهم عبدوا عجلاً ذهبياً .

– قصة كيف يرسل الله الثعابين على الشعب لأنه عصا أمره وتململ.

– قصة تزعزع سلطة موسى وتنافسه مع آخرين حين قتل  الله جميع معارضيه قرب خيمة تابوت العهد.

وغيرها الكثير من القصص “الرائعة” الأخرى من العهد القديم التي يعلمها الخوري شكيب لطلابه، ليعود وينهي كل حصة قائلاً لهم: “إن الله يحب الناس جميعاً وذلك يظهر في أعماله كلها ! “

————————–

إقرأ أيضاً:

الطائفية في الأمثال الشعبية اللبنانية

حين تلوّن ذرات العطر سماء الكفيف

ثلاثة أحزاب.. بالمشبرح

المرشد في المعاملتين !

جو حمورة

كأغلب شباب لبنان، كان صديقي يعمل في وظيفة لا علاقة لها بالمؤهل الدراسي، فقد اختار لنفسه مهنة صعبة تحتاج إلى لباقة، سرعة بديهة، مظهرٍ حسن وكلام منمق: مندوب مبيعات.

بالرغم من دراسته بمدرسة للراهبات، ومن ثم في إحدى الجامعات التابعة لإحدى الرهبانيات المارونية في جبل لبنان، إلا انه كان بعيد كل البعد عن الدين، فكان يهتم بمظهره بشكل مبالغ فيه، ويسعى جاهداً إلى احتلال أكبر قدر من قلوب الآنسات والبغايا على حد سواء، يدخن بشراهة، يتناول المخدرات على فترات متقطعة، لا يصلي إلا أيام الأحد مرتين أو ثلاث في السنة، ولديه ذكاء ودهاء وشخصية مكنوه من العيش في مستوى مادي لا بأس به.

إلى هنا تتشابه قصته مع نصف قصص شباب لبنان…إلى أن أتت الفترة التي تغيرت فيها حياته، وهي فترة “طبيعية” جدا تمر بأي شخص بعيد عن الدين: نصيحة من صديق يهديه إلى “الطريق”، ثم هدية شريط ممغنط لقديسٍ إيطالي أو أميركي لاتيني ما، الذي يبكي ويخدم الفقراء طوال الفيلم، ثم يبتسم ابتسامة بلهاء على فراش الموت في نهايته، من دون أن ننسى أنه مشى عاري القدمين في الصحراء والجبال والوديان طوال حياته من دون أن يجرح نفسه ليحث الناس على الصلاة والإيمان.
من بعدها تطور الأمر فأصبح صديقي يهوى قراءة الكتب المعنونة كالتالي: “التائبون”،  “عودة الإبن الضال”، “كيف تعود إلى حضن الرب”، “فرح التوبة”… ثم زيارات أسبوعية إلى حريصا ودير عنايا…. فالتزم بعض الوقت وواظب على الصلاة والإيمان،  وكان يستمع خلال هذه الفترة إلى تلفزيون الـ Tele lumière بكثرة، وبات يستمتع مثلاً بفيديو كليب “البابا مبارك” الذي حول الموارنة إلى راقصي هوا و”مياعة”، بعدما كانوا قد حولوا وديان لبنان الى مغاور صلاة، وحفروا صخورها بذنودهم وحولوها إلى أجلال ليزرعوها.

إلى هنا أيضا تكاد تكون القصة معقولة وشبه مقبولة… لكن مع الوقت بدأ يحتك ببعض المسيحيين المختلفين ويصاحبهم ويجالسهم ويلازمهم كلما ذهبوا إلى مكان أو فعلوا أمرٍ ما…فبدأ بتربية لحيته، ووضع السلاسل الخشبية حول رقبته، ثم وضع خيط حريري في معصمه، ومن بعدها ترك التدخين والمخدرات، ثم بات يذهب كل ليلة أربعاء إلى سهرات إنجيلية، والجمعة إلى دير عنايا وبات يصلي كل نهار أحد في كنيسة الرعية.

أصبح لديه أصدقاء أمثال بعض التائبين الذين شاركوا في الحرب اللبنانية وفاتهم القطار دون أن يؤسسوا عائلة تقيهم شر الوحدة، بالإضافة إلى عدد كبير من الشباب الشاذين جنسيًا والفتيات الممتلئات سمنة، ثم تعّرف إلى أحد الكهنة وأخذه مرشدا له دون علمه.. وأخيرا، وبعد فترة وجيزة، وجد انه اكتفى بذلك وانه قد حصل على كل المعرفة الفلسفية واللاهوتية بالدنيا والآخرة والوجود، وألم بجميع الروحانية، فراح يوعظ ويبشر وينصح الناس في كل مكان وزمان، لكأن الأمر أشبه برسالة وواجب عليه القيام به .

كما تتوقعون، فقد أهمل وظيفته لأن مجد هذه الدنيا باطل، ثم أهمل دراسته العلمية لأنها بعيدة عن الدين وعجائبه. أصبح حاد المزاج وزادت عصبيته لدرجة بات يتقاتل مع أشخاص لا يعرفهم إن رأى منهم ما لا يعجبه، ولو اقسم على شخص ٍلصفعه…كذلك أهمل مظهره، فبات ذقنه طويل وشعره أشعث وثيابه شبه بالية، خاصة بعدما خف وزنه ليصبح 55 كلج بعد أن كان حوالي الـ 80 .

أما الفاجعة الكبرى، فهي أن ذكاءه ودهاءه تبخرا وظهر مكانهما كمية من البلاهة والغباء لم أرى لهما مثيل من قبل. فقد انخفض مستوى ذكاءه إلى معدل خطير ما عاد قابل للقياس، فلكي تشرح له أي أمر فلا بد أن تعيد مرارًا وتكرارًا حتى يفهم، دعك من انه لا يستطيع أن يبحث في مسألة واحدة في الدين أو الحياة دون الرجوع إلى كاهنه المرشد، فكل ما يقوله ويبشر به ما هو إلا كلمات محفوظة يرددها بطريقة ببغائية… كما بات لديه عادة الاستهزاء بالمذاهب المسيحية الغير مارونية بعدما كان يكره المسلمين فقط، أما إن قلت له أن هذا الرجل مثلاً قد أصبح ملحداً بعدما كان مسيحياً ثار غضبه لدرجة رأيت علامات الانتقام واضحة في عينيه. أما الأغرب فهو أنه بات يظل مستيقظاً لساعات طويلة يقضيها في الصلاة وتلاوة الآيات والأسفار من الكتاب المقدس والتراتيل ويبكي وينوح طوال الليل كما لو انه يحمل كل ذنوب الأرض ومن عليها… ومئات المرات التي يجالسنا فيها أنا وأصدقائنا المشتركين لينصحنا بالعودة إلى الدين والله والصلاة… فنبتسم له بسخرية كعادتنا ونقول له جملتنا الخالدة: رايحين أنا والشباب على المعاملتين، يمكن نتلاقى بمرشدك هونيك، بترّوح معنا؟

———————
إقرأ أيضاً:
مقارنة بين طُرق إختيار بطريرك الموارنة وبابا الأقباط 
إجتماعات الوطنيين الأحرار ومميزاتهم
عودة الحريري الى.. الطائفة !

الإنتحار

جو حمورة

أنا لست بمهووس أو مجنون….كل المقربين مني يعرفون ذلك….ولكن مذاق هذا المسدس يدفعني للهوس والجنون حقاً!….لن أصوبه إلى رأسي لأنني بهذا سألوث الكنبة والستائر بدمي…سأضعه في فمي، نعم في فمي….لحظه أرجوك، وما شأنك أنت بي؟…لا لا لن أتراجع عن كلامي…كيف تقول ذلك؟؟….فقط سأحك حلقي به لأن الأمر يشعرني بالقشعريرة، صدقني!….أسمعك تقول ما همّك اتساخ الكنبة والستائر طالما ستتركها وتموت ؟؟ .. لا شيء فعلاً، ولكن هذا أخر يوم لي هنا وآخر اتصال لي بالوجود والحياة….فلا بد أن أترك الأشياء مرتبة ونظيفة.

رخيصٌ نسبيا كحياة كل مواطن نعرفه، وليس بباهظ الثمن… يسمونه فرد 7/14… يستطيع أن يفجر رأسك دون أن تعي ما حدث معك…على كلٍ، هذه ليست نقودي التي ابتاعته  بل نقود أحدهم…سرقتّها منه عندما كان يغطّ في النوم تماماً كما يسرق السياسيون الشعب أثناء نومهم العميق… أظنه سيحزن على المال والرصاصة أكثر من حزنه على مماتي…كما أنه هو، كما غيره، سيتبرأ مني لان المنتحر في بلادي يعامل معاملة الكافر لكأنه تعدى على غيره، أين حقوق المنتحرين!؟

…. هل قرأت كلمة كافر هنا؟؟ هذه الكلمة تضحكني كثيرا…لأنه، وللمفارقة، من المتدينين من يوجه تهمة التكفير لغيره وهم كافرون أكثر منهم، وهل عدم الكفر هو بوضع الصلبان الخشبية حول الأعناق وممارسة طقوس الصلاة الغريبة خمس مرات في اليوم؟ على كلٍ من تعوّدوا أن يمسكهم رجال الدين بأعناقهم لن يتأثروا إن وضعوا شيء آخر حولها أو ركعوا سجوداً لزعيم أو رئيس. كما أن بعض العاهرات أشرف من مدّعيّ العفة ها ها ها ها ….اقسم لك بالستائر والكنبة وزجاجات البيرة الفارغة بجنبي، إني بهذا لست أضيع الوقت أو أتلهى…إنها الضحكة الأخيرة لذلك سآخذ وقتي كاملا…سحقا لمذاق المسدس…باردٌ أسود ومعدني….كقلوب كل العسكر، ثم إني لا املك الوقت والنخوة لدهنه بعصيرٍ ما لتحسين مذاقه…. فليس الآن وقت التفاهات إن فهمت ما اعنيه.

 

قريه شمالية…طفولة عادية…مدرسة الحكمة – الأشرفية…مكانٌ ما بمنطقة المتن…إحدى الجامعات اللبنانية…”ثورة” 14 آذار 2005…حب لفتاة ما…التديّن، الإلحاد ثم أخيرا العبثية….كل هذه الأماكن والأحداث لها طعم المسدس المعدني البارد ولا يمكن دهنه بعصيرٍ ما… ما هذا الذي أردده الآن ؟؟ هل أنا بثرثار ؟؟….ربما، ولكن كما قلت منذ برهة، هذه آخر مرة سأثرثر فيها…أنت تعرف أنني بالكاد أتكلم….لكن في هذه اللحظة بالذات شيء ما يدفعني إلى التكلم…أجل، ولما لا؟؟…أصلاً ما الفرق بين إهدار الوقت وبين الاستفادة منه ؟؟…اقصد، ما الفرق مثلا بين الاستماع إلى وعظة رجل دين معقّد جنسيًا عن الزواج  وبين السهر في شارع الحمرا ليلة سبت؟؟؟ أو الفرق بين مشاهدة تصريح لـ ميشال عون ومشاهدة مشكل صراخ لبناني في شارعٍ ما؟ أو رؤية اللبنانيين يحرقون بلدهم دون اكتراث وحياء أو الاستمتاع بالتنزه مع فتاةٍ ما ؟؟؟…أسمعك تقول ها هو عاد مرة أخرى لأسئلته الفلسفية السخيفة… لا لا صدقني هذه مجرد تساؤلاتٍ بريئة.

صه، صه….هل تسمع ما أسمعه ؟؟ انه رنين هاتفي الخلوي…انتظر، لنرى من المتصل…اعرف انه لا فائدة الآن من ذلك…لكن دعنا نرى …آه..نعم إنها صديقتي…تتصل لتطمئن عليّ، لقد اشتاقت إلي… يا للفتيات…دائما يمثلنّ، دائما يتصنعنّ، دائما يكذبنّ، تمامًا كالرجال!…هل أقول لها ما أنا على وشك أن أفعل؟؟؟ لا داعي لذلك…ما الفائدة من إخبارها بذلك أصلا؟؟ ما فائدة أن تعرف أنني أخونها، وأن تعرف أني أعرف أنها تخونني؟؟ …لا، من فضلك لا تنظر إليّ بازدراء…لن انتحر بسببها…لا دخل لها بالموضوع…لن انتحر لأن شفتاها تقتلاني…لن انتحر لأن عيونها نجومٌ أخرى…لن أنتحر لأن ما كان قد مات…انا انتحر فقط لأنني أريد أن انتحر…وهل رأيت ابسط من هذا السبب ؟؟؟  سبب بسيط وواضح، هل رأيت عبثية أكثر من الموت من دون سبب؟… ويقولون أن العبثية تؤدي إلى الانتحار……هاه هاه..سخافات !

أتى الوقت وحانت اللحظة…سأضغط على الزناد الآن…أغلق إذنيك لو سمحت…آه نعم هكذا ….