فلسطين لم تعد البوصلة

جو حمورة

لم يكن غريباً تجدد المواجهات اليومية بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ أسبوعين إلى اليوم، فهذه المواجهات لا تنفك أن تتجدد كل فترة. لكن ما اختلف هذه المرة هو عدم إظهار تعاطف جدي من جانب العرب لما يجري في فلسطين، لكأن أولوية الصراع العربي مع إسرائيل إنتهت واستُبدلت بصراعات أخرى.

كان لخطف الفلسطينيين ثلاثة شبان إسرائيليين وقتلهم أثر كافٍ لتقوم إسرائيل بتحريك آلتها الأمنية والعسكرية والإعلامية للإنتقام، فقصفت قطاع غزة واعتقلت ناشطين فلسطينيين وهدمت منازل من تسميهم بـ”المخربين”. في المقابل، وكالعادة، رد الفلسطينييون بصواريخهم القصيرة المدى وتظاهراتهم العشوائية ورمي الحجارة. فكانت نتيجة المواجهات بضعة قتلى من الطرفين وعشرات الجرحى والمعتقلين وحديث عن إجتياح لغزة، كما صمت مطبق من الأنظمة العربية عن كل ما جرى لكأن الأمر لا يعنيهم وهم الذين حكموا شعوبهم منذ 60 عاماً باسم الدفاع عن فلسطين وشعبها وأولوية “المقاومة” على الحرية.

تاريخياً، كانت مصر والأردن وسوريا والعراق ولبنان من أكثر الدول والشعوب المعادية لإسرائيل والمقاتِلة لها، وبالتالي موالية لفلسطين وشعبها. لكن الزمن الذي كانت فيه القضية الفلسطينية بوصلة القضايا العربية قد ولّى عند هذه الأنظمة كما عند الشعوب، فلكل منهم الآن همومه الوطنية الخاصة والتي تتخطى بأهميتها عندهم أهمية القضية الفلسطينية.

من الهجوم الجوي الاسرائيلي على غزة

من الهجوم الجوي الاسرائيلي على غزة

على الرغم من أن النظامين المصري والأردني يُسالمان إسرائيل، تتحول الأزمات التي يعيشها كل من شعبيهما إلى أولوية على نصرة فلسطين وقضيتها. في الأردن، يكبر الخطر السلفي كل يوم ويقوى عود الحركات الجهادية وقد بات يشكّل توسعها في الجوار العراقي والسوري خطراً على وجود النظام الملكي بذاته. من جهة أخرى، تبقى الحساسية الأردنية السلبية تجاه الفلسطينيين كبيرة بعدما باتوا يشكّلون معظم سكان الأردن ما يؤثر سلباً على الدعم التاريخي المعتاد للأردنيين للقضية الفلسطينية. أما في مصر، فكل حالات التخبط الثوري والعسكري التي شهدتها في السنوات الثلاث الأخيرة، كما الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي تهدد بإتفجار جديد الآن، قد جعلت من موضوع مناصرة فلسطين شعبياً أمراً ثانوياً أمام أولويات تأمين لقمة العيش والإستقرار السياسي والأمني.

في سوريا والعراق “الممانعان”، قضت الحروب فيهما على أمل شعبيهما في الاستقرار والهدوء والتغيير، فكان عدم الإكتراث الجدي بدعم القضية الفلسطينية بمثابة تحصيل حاصل لشدّة معاناتهما في بلادهما. لا بل أصبح الفلسطينييون في سوريا أعداء النظام ويتعرضون، إسوةً لبقية السوريين، لقمعٍ نظامي تجلّى في حصار وقصف مخيم اليرموك منذ عدة أشهر. أما العراق بأقسامه الثلاثة فيغرق بهمومه وعدائية مكوّناته تجاه بعضها: الشيعة والسنة يتقاتلون والأكراد يقاتلونهما، ولو بشكل أقل، وينتظرون استكمال الظرف لإعلان إستقلال كردستان والإنفصال عن العرب.

في لبنان، ليست المقاومة بعد القرار 1701 الصادر من مجلس الأمن الدولي عام 2006 كما قبله. فمع انتهاء حرب تموز وإنتشار الجيش اللبناني في الجنوب وتطبيق الهدنة بين “حزب الله” وإسرائيل، باشر الحزب حربه الداخلية على اللبنانيين، ثم دخل وحول الحرب السورية وربما العراقية، وباتت فلسطين منسيّة عمداً في سياساته وشبه غائبة عن خطاباته مكتفياً بتوجيه سلاحه صوب السوريين وتعطيل الحياة الديمقراطية في لبنان.

قديماً، وقبل الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، كان أطفال الجنوب يغنون “حزب الله، يا عيوني، دمر كريات شموني”. الآن، تنعم “كريات شموني” بالأمن والإزدهار فيما يشتم معظم سكان المشرق العربي “حزب الله” ويكفّر الإسلاميون بعضهم البعض على خلفية طائفية.

باتت الأنظمة العربية غارقة في أزماتها الداخلية أو في دماء شعوبها بعد الربيع العربي، وحلت الأزمات المحلية أولوية على القضايا الخارجية كالقضية الفلسطينية، في حين لم يبقَ مِمَن يدافع عن فلسطين، ولو شكلياً، إلا المهتمين بها من باب كونها رمزاً دينياً لا قومياً. وربما بعد أن تجف الدماء من أرض العرب تكون فلسطين بسلطتها الشرعية قد وقّعت على إتفاقية السلام مع اسرائيل، وأنهت كذلك الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

نشرت أولاً في مجلة المسيرة في 11 تموز 2014 (العدد رقم 1465)

———————-

إقرأ أيضاً:

مقالات أخرى عن تركيا 

يمكن الإطلاع على صور ناردة للحرب الأهلية اللبنانية هنا

وصور نادرة للشخصيات اللبنانية هنا