من السجون إلى الرئاسات: مصر وتركيا تنتخبان


جو حمورة

لن يكون لبنان وحده من يعمل على إنتخاب رئيسٍ جديدٍ للبلاد هذه السنة. فتركيا ومصر ستقومان كذلك بإنتخاب رئيس جديد لجمهوريتهما من دون الخوف من فراغ في السلطة أو تسوية إقليمية تأتي بمن لا يريده الشعب كالحالة اللبنانية.

عند النظر إلى التاريخ الحديث لكلٍ من مصر وتركيا، يمكن مقاربة أمرين متشابهين صبغا الحياة السياسية في كِلا البلدين. الأول، قائم على حضور المؤسسة العسكرية كلاعباً سياسياً أساسياً في فرض شروط الحكم وأطره، فكانت مصر محكومة على التوالي من الثلاثي العسكري: جمال عبد الناصر، أنور السادات وحسني مبارك. أما تركيا، فوقعت ضحيةً لأربعة إنقلابات عسكرية ضد السلطة السياسية (1960،1971،1980،1997)، حيث كان الجيش يتدخل مباشرة حين يرى السياسيين قد حادوا عن تعاليم مؤسس الجمهورية مصطفى كمال “أتاتورك”. فبقيت المؤسستان العسكريتان في الواجهة حيناً، أو الكواليس أحياناً، تصنعان الأحداث السياسية وتمسكان بالقرار الأساسي في كِلا البلدين.

أما الثاني، فهو تزامن صعود الإسلام السياسي في كلٍ من تركيا ومصر، حيث كانت أوائل التسعينيات سنوات النضال التأسيسي للإسلام السياسي في كلٍ من البلدين. وتوجت بالحالة التركية عام 2002، بوصول “رجب طيب أردوغان”، ذي الميول الإسلامية والمسجون سابقاً لانتمائه إلى حزب إسلامي، إلى الحكم. في حين لم يُكتب للإسلام السياسي في مصر، والممَثل بجماعة “الإخوان المسلمين”، الظفر بالسلطة لأكثر من عامٍ واحد.

مصري مؤيد لعبد الفتاح السيسي

مصري مؤيد لعبد الفتاح السيسي

كان لصعود نجم أردوغان وقدرته على تنمية الإقتصاد التركي وحصده لشعبية كبيرة أن مكناه من إنهاء الدور السياسي للجيش التركي بعد أن قام بانقلابٍ بطيءٍ عليه في الأعوام القليلة الماضية وأفقده كل سلطة دستورية وسياسية. على عكس الحالة التركية، كان الإنقلاب العسكري المصري على الإسلام السياسي حاسماً في مصر بعد أن زج قياداته في السجن وحلّ جماعة “الإخوان المسلمين” في العام الماضي. فحدد كل من البلدين القوى الأكثر تأثيراً فيهما، وأصبحا على قاب قوسين من صبغ سلطتيهما بشرعية شعبية ودستورية، وذلك عبر تتويجها بإنتخابات ديمقراطية.

في تركيا، وبعد أن بات أردوغان ممنوعاً، قانوناً، من الترشح لولاية أخرى إلى رئاسة الحكومة، باتت عينه على القصر الرئاسي، حيث سينتخب الأتراك، ولأول مرة في تاريخ تركيا الحديث، الرئيس بطريقة مباشرة، ما سيعطي ساكن قصر “كنكايا” الرئاسي قدرة ونفوذاً أكبر في قيادة البلاد. بالمقابل، لا يبدو أن للمعارضة التركية أي مرشح “فدائي” مستعد للخسارة أمام أردوغان في آب المقبل، وسط انقسام الأحزاب المعارضة وعدم قدرتها على الاتفاق على مرشحٍ منافسٍ واحد. أما في مصر، فيبدو الوضع أفضل من ناحية المنافسة “الديمقراطية”، إذ إن المرشحين الرئاسيين، وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي والقومي العربي حمدين صباحي، قد “تنافسا” في إنتخابات 26 و 27 أيار الجاري. غير أن حصول السيسي على أكثر من 90 في المئة من أصوات المصريين في الخارج، كما الدعم المطلق الذي يتلقاه من المؤسسة العسكرية المصرية والكنيسة القبطية يجعلان من فوزه السهل أمراً محسوماً. بينما يبدو صباحي كأنه الفدائي المصري الذي يغيب في الحالة التركية، حيث ستكون خسارته تأكيداً آخر لما بات مؤكداً: القوميين والإشتراكيين العرب باتوا من الماضي.

قد لا يختلف تاريخياً مسار الحياة السياسية بين تركيا ومصر كثيراً لكن الأكيد أن إنتخاباتهما الحالية تتم في ظروفٍ معاكسة، حيث أنها ستشهد المزيد من صعودٍ للإسلام السياسي على يد من كانوا أسرى الجيش التركي. بينما ستشهد، في الحالة المصرية، تثبيتاً للدور السياسي للمؤسسة العسكرية بعدما بات “الإخوان” وأعضاء الجماعة في سجون العسكر. هي سمة ومسار الحياة السياسية في الشرق كله ربما: من السجون إلى الرئاسات وبالعكس.

نشرت أولاً في مجلة المسيرة في 2 حزيران 2014 (العدد رقم 1459)

———————-

إقرأ أيضاً:

مقالات أخرى عن تركيا 

يمكن الإطلاع على صور ناردة للحرب الأهلية اللبنانية هنا

وصور نادرة للشخصيات اللبنانية هنا

Leave a Comment