“إنتخابات الدم”: الحرب السورية تجدّد ولايتها

جو حمورة

في وقتٍ تغرق فيه سوريا بمزيد من الدماء والفوضى، نظمت السلطة السورية إنتخاباتها الفولكلورية لتعيد إنتاج سطوتها باسم “الديمقراطية” هذه المرة، وذلك عبر الأوراق التي تحمل إسم رئيسها في صناديق الإقتراع بدلاً من البراميل التي تقتل باسمه. فكانت الإنتخابات المهزلة التي جرت في 3 حزيران، وقبلها بأيام ببعض سفارات سوريا في العالم، ناقصة للشرعية المحلية والدولية كما الأخلاقية، ما دفع معظم ناشطي الثورة السورية إلى وصفها بـ”إنتخابات الدم”.

على عكس لبنان الذي شهدت السفارة السورية فيه زحمة “ناخبين”، لم يكن المشهد في معظم الدول الأخرى مشابهاً. وباستثناء ندرة الناخبين في الدول التي سمحت بالإنتخابات على أرضها، قررت معظم الدول منعها بحجة فقدانها للشرعية، فلم توافق على إجراءها سوى 39 دولة فقط من بينها 9 دول عربية، في دلالة واضحة لحجب الثقة الدولية عن النظام السوري ورئاسته، وتأكيداً من هذه الدول على أن بشار الأسد لم يعد رئيساً شرعياً للسوريين.

واكتفت معظم تلك الأوروبية بمنع الإنتخابات على أراضيها ووصفتها “بالمسرحية” و “المهزلة”، لكن الرد العملي والسياسي الوحيد أتى من الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت على لسان رئيسها باراك أوباما، وبوضوح، “إن المعارضة السورية هي أفضل بديل لنظام الأسد”. كما أكد السعي إلى زيادة تسليح المعارضة المعتدلة كمّاً ونوعاً، وحتى إقتراح فكرة التدريب العسكري للسوريين علناً لأول مرة، لكنه أقرن الخطوة بموافقة الكونغرس الأميركية.

على الجبهة الداخلية، قام النظام السوري بتنظيم هذه الإنتخابات دون الإكتراث لرأي الشرعية الدولية. أما هدفه الأسمى فكان إخراج الأزمة السورية من دوامة الشرط الموضوع منذ مؤتمر “جنيف 1” على أن أي تفاوض مع المعارضين يمر بضرورة قيام سلطة إنتقالية في سوريا. لذا كانت الغاية السياسية العملية والوحيدة من هذه الإنتخابات هو رد الأزمة السورية إلى مربع الأزمة الداخلية التي تقع ضمن “السيادة الوطنية” وإخراجها من الدائرة الدولية بمنع تقرير مصير الأزمة السورية والنظام بذاته على طاولة المفاوضات الخارجية. في حين أن المعارضة السورية الشرعية رفضت الإنتخابات كما الإعتراف بنتائجها، وأعادت التأكيد على أن أي مدخل للحل السياسي في سوريا لا يمكن أن يتمّ إلا بسلطة إنتقالية، متشجعةً بمعارضة مجموعة “تجمع أصدقاء سوريا” للإنتخابات ونتائجها.

 1080

محلياً، كانت الإنتخابات أقرب إلى المهزلة. فبالإضافة إلى غياب التنافس الجدي وطريقة الإنتخاب التي تشبه أسلوب التزكية لزعيم قبيلة منها لإنتخابات ديمقراطية، كانت العملية الإنتخابية غائبة في معظم القرى والمدن السورية الخاضعة للمعارضة السورية المعتدلة أو الإسلامية. وبينما كانت أصوات الناخبين تنهمر في صناديق اللاذقية وطرطوس ودمشق، كانت أصوات المدافع والبراميل تنهمر على رؤوس بقية سكان المناطق السورية. هي رسالة واضحة لكل السوريين: إما تهتف بالروح بالدم نفديك يا بشار وإما يُهدر دمك. إما تنتخِب أو تنتحِب.

إنتهت الإنتخابات الفولكلورية وأثنت عليها الدول الداعمة للنظام السوري كما كان متوقعاً، ورفضت تلك المعادية للنظام السوري الإعتراف بشرعيتها، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل الإنتخابات تماماً: الحرب مستمرة في كل سوريا، والسلاح أولوية على كل إنتخابات، ونتائج المعارك العسكرية والتفاوض في الخارج هي من تقرر مستقبل سوريا وليست صناديق الإقتراع. لقد أسقط الأسد الحكومة الانتقالية في جنيف وبدل أن يأخذ سوريا إلى حلٍ سياسي يأخذها إلى تجديد للحرب لمدة ستة أعوامٍ إضافية على الأقل يخوضها من أجل أن يكرّر انتخابه للمرة الرابعة في العام 2020.

نشرت أولاً في مجلة المسيرة في 9 حزيران 2014 (العدد رقم 1460)

———————-

إقرأ أيضاً:

مقالات أخرى عن تركيا 

يمكن الإطلاع على صور ناردة للحرب الأهلية اللبنانية هنا

وصور نادرة للشخصيات اللبنانية هنا