أكراد سوريا وحرب الوجود


جو حمورة

خلال يومين متتاليين فقط إحتل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) حوالى ستين قرية كردية شمال سوريا، ما أدّى بحسب الأمم المتحدة إلى هجرة 130 ألف كردي على الأقل إلى تركيا. تتفاقم أزمة الأكراد السوريين وتتصاعد ويتحولون مع الوقت إلى ضحية من ضحايا كُثر أدت بهم الحرب السورية إلى الانكسار، كما يقعون يوماً بعد يوم بين سندان تقدم التنظيم الإرهابي عليهم ومصالح تركيا من جهة ومطرقة شروط الإقليم الكردي العراقي وقيادته للمساعدة من جهة أخرى، في حرب غير متكافئة تطال وجودهم في سوريا.

للأكراد تاريخ عريق في المقاومة والشهادة في الشرق. فهم، على مر أجيال كاملة فيها الإنتصارات كما الانكسارات، عانوا الكثير من بطش الأنظمة العربية والتركية والإيرانية في الزمن الحديث. للبعثين العراقي والسوري تاريخ حافل من الإجرام بحق الأكراد بحجة أنهم ليسوا عربًا، فيما الأتراك والإيرانييون رفضوا دوماً إعطاءهم حقوقاً خاصة لاعتبارهم جزءاً منهم ولا يشكّلون قومية مستقلة. أمّا تركيا فكانت ترفض وجود القومية الكردية وتعتبر الأكراد من مواطنيها هم “أتراك الجبال” الذين نسوا هويتهم القومية التركية الأصلية على مر الزمن، كما كانت إيران، ولا تزال، تعتبر الأكراد جزءاً من العِرق الإيراني القديم. فكان للعنصرية القومية عند الأنظمة الأربعة ثمن دفعه الأكراد بالقمع والموت والتشريد بسبب هويتهم القومية المتمايزة عن محيطهم وإعتزازهم بها.

قدمت الحرب السورية وتطوراتها تحدياً من نوعٍ آخر للأكراد السوريين. الإبادة تمارس ضدهم هذه المرة لا بسبب تمايزهم العرقي أو باسم القومية إنما باسم الدين. فـ”داعش” تقاتلهم لأسباب دينية لأن الانتماء السياسي الغالب للقوى المسيطِرة في المناطق الكردية السورية هي يسارية – شيوعية. ففي مناطق شمال سوريا، أو “غرب كردستان” التي يسميها الأكراد بلغتهم “روجافا”، يسيطر حزب “الإتحاد الديمقراطي” والذي هو جزء من الحزب الأم “العمال الكردستاني” الناشط في تركيا. فيما للفرع السوري المرؤوس من صالح مسلم جيش خاص هو “وحدات حماية الشعب” والذي أعلن في تشرين الثاني من العام 2013 إقامة ثلاث مناطق حكم ذاتي هي الجزيرة (القامشلي)، عفرين وكوباني بعدما سحب النظام السوري معظم جيشه من “روجافا”.

مقاتلات كرديات شمال سوريا

مقاتلات كرديات شمال سوريا

لحزب “العمال الكردستاني” وقائده “عبدالله أوجلان” المسجون منذ العام 1999 في تركيا حساب قديم مع سجّانه. إلا أن الحزب دخل في محادثات طويلة مع الحكومة التركية منذ بداية العام 2013 أسفرت عن وقف لإطلاق النار بين الطرفين وإصلاحات حكومية أعطت أكراد تركيا بعض الحقوق الخاصة. لذلك، يَفصل “العمال الكردستاني” عدة آلاف من مقاتليه للتوجه إلى سوريا لمساندة أخوتهم في “روجافا” وسط تسهيل تركي لمرور المقاتلين. وكما يمر المقاتلون الأكراد، كذلك يمر مقاتلو “داعش” عبر الطريق نفسها، ليجتمع أعداء تركيا في مكان واحد ليقاتلوا بعضهم البعض، فيما تركيا تستفيد من شبه الهزيمة الكردية لعدم إتاحة الإمكانية المستقبلية للأكراد لإقامة دولة لهم قرب حدودها، كما يصبح “أوجلان” أضعف في مفاوضاته معها بسبب ضعف جناحه السوري.

للإقليم الكردي العراقي شبه المستقل حكاية أخرى مع “روجافا”، حيث يقود حليف تركيا السياسي والنفطي حربه الخاصة ضد “داعش”، ويحقق جيشه، “البشمركة”، نتيجة جيدة في العراق عبر الاستفادة من التغطية الجوية الأميركية والمساعدات المرسَلة إليه من كل العالم. إلا أن موقف الإقليم تجاه ما يجري في “روجافا” لا يتعدى الإستنكار والمصلحة الخاصة إلى حدود المساعدة الأخوية، فرئيسه، مسعود البرزاني، طلب من المجتمع الدولي “أخذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية أكراد سوريا”. إلا أن أحد أبرز قياديي قوات “البشمركة”، عزيز ويسي، قال ما لم يقله البرزاني في العلن حين أعتبر أن “دخول البشمركة إلى سوريا يحتاج إلى موافقة حزب الإتحاد الديمقراطي”، في إشارة واضحة إلى إهتمام الإقليم الكردي بتوسيع نفوذه شمال سوريا وتحقيق سيطرة سياسية جديدة مقابل إنقاذ أكراد سوريا.

تتغير حال الأكراد السورييون من سيئة إلى أسوأ أمام تقدم “داعش”، كما تتحول حربهم من حرب حدود إلى حرب وجود يوماً بعد يوم. وفيما ترسل تركيا الجميع للموت في “روجافا”، يتحضر حليفها، البرزاني، للعب دور أكبر وأبعد من الإقليم العراقي منتظراً اللحظة التي يصبح فيها “الإتحاد الديمقراطي” قابلا بسلطة بنادق “البشمركة” خوفاً من سيوف “داعش”.

نشرت أولاً في مجلة المسيرة في 29 أيلول 2014 (العدد رقم 1476)

———————-

إقرأ أيضاً:

مقالات أخرى عن تركيا 

يمكن الإطلاع على صور ناردة للحرب الأهلية اللبنانية هنا

وصور نادرة للشخصيات اللبنانية هنا

Leave a Comment