إربيل خط أميركي أحمر

جو حمورة

ليس الجيش اللبناني وحده من يحارب المنظمات الإرهابية على حدوده. فمن لبنان إلى العراق، يتشارك كل من الجيش اللبناني وجيش إقليم كردستان شبه المستقل، البشمركة، في قتال المنظمات الإرهابية. فيما يبقى كل من الجيشين السوري والعراقي الرسميين فاقدين للقدرة والإمكانيات في دخول معركة حقيقية ضد “داعش” على أراضيهما، مكتفيين بقتالها بالواسطة أحياناً وبخجلٍ أحياناً أخرى. غير أن فعل سيطرة “داعش” على أجزاء واسعة من العراق وسوريا لا يتعدى بنتائجه الخطر على وحدة البلدين واستمرار السلطة الرسمية فيهما إلى حدود الخطر على الوجود الذي يتهدد أكراد شمال العراق بعدما تقدمت “داعش” إلى حدود الإقليم الكردي وسيطرت على المدن والقرى المحيطة به وقضاء سنجار موطن الأقلية الإيزيدية في العراق.

بعد تهجير الأقلية المسيحية من الموصل وضواحيها، إنتقلت “داعش” في إجرامها إلى تهجير وقتل الأقلية الإيزيدية الناطقة بالكردية في قضاء سنجار. تم تخيير الإيزيديين بين الدخول في الإسلام الذي تعتنقه “داعش” أو القتل، ففضلوا النزوح بالآلاف إلى جبال سنجار القاحلة حيث لا ماء ولا غذاء. لم تستطع قوات البشمركة مساعدتهم عسكرياً لانشغالها بقتال “داعش” على كل الجبهات الأخرى، ما أنبأ بقرب حصول إبادة جماعية للطائفة الإيزيدية، ودفع بالولايات المتحدة الأميركية للتحرك عبر توجيه ضربات جوية محدودة لأرتال “داعش” العسكرية وبعض مواقعها وإسقاط المؤن الغذائية فوق النازحين، إضافة لإرسال بعض شحنات الأسلحة الثقيلة لقوات البشمركة عبر مطار إربيل عاصمة الإقليم الكردي.

قتلى وجرحى باشتباك بين الجيش اللبناني ومسلحين

هذا التدخل الأميركي المباشر هو الأول من نوعه منذ صعود “داعش” في كل من سوريا والعراق. إلا أنه يبقى محدوداً ويهدف إلى ضبط إيقاع المعارك وحماية الإقليم الكردي ومساندته في مواجهة “داعش”، ولا يتعدى تلك الأهداف إلى حدود القضاء على التنظيم الإرهابي. في حين أن الولايات المتحدة لم تقم بالعمل ذاته عندما إجتاحت “داعش” الجيش العراقي الرسمي، وقوضت سلطة بغداد المركزية ذات الانتماء الشيعي الغالب والمتحالفة مع إيران.

ويعود تفضيل الولايات المتحدة الأميركية لإربيل على بغداد إلى عاملين أساسيين: الأول، مرتبط بملف التفاوض على البرنامج النووي الإيراني وما يتفرع عنه من قضايا إقليمية تجعل من ضعف السلطة العراقية المتحالفة مع إيران ورقة رابحة لأميركا لحظة جلوسهما على طاولة المفاوضات، في حين يترتب على تقدم “داعش” في سوريا والعراق ضعف للنفوذ الإيراني الخارجي كما زيادة الأعباء المالية الإيرانية لمساعدة الجيش العراقي للحفاظ على ماء الوجه بمواجهة “داعش”. وفي مقابل المصلحة الأميركية في إغراق إيران أكثر في وحول العراق، يشكل الإقليم الكردي نقطة تلاقٍ بين تركيا وإسرائيل حليفي أميركا الدائمين في الشرق، حيث تقوم الأولى بدعم إربيل إقتصادياً والثانية بدعمها سياسياً، خصوصاً في مسألة مسعاها الإستقلالي.

أما العامل الثاني فمرتبط بالمسؤولية المعنوية التي تتحملها الولايات المتحدة الأميركية في العراق، بعدما اجتاحته سابقاً وحلّت جيشه البعثي وبنت بديلاُ منه جيشاً جديداً له لم يكن على قدر الطموحات الأميركية في ضبط الأمن وتأمين الاستقرار في العراق بسبب فئويته الطائفية. في حين أن الإقليم الكردي وحكّامه من المقربين للولايات المتحدة حتى منذ ما قبل الاجتياح الأميركي للعراق، وهم الوحيدون المالكون لسلطة وجيش موحد ومساندة شعبية قادرة على صد “داعش” وتحجيمها.

تبرز وحدة السلطة السياسية والجيش والدعم الشعبي شروط ضرورية لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وهي شروط تغيب في الحالة السورية والعراقية الرسمية وتحضر في الحالة اللبنانية والكردية، وتجعل من لبنان والإقليم الكردي أكثر قدرة على الدفاع عن نفسيهما في مواجهة الإرهاب، متكلين على شروط المواجهة الخاصة. بينما، وبالرغم من وفرة العدد والعديد في الجيشين السوري والعراقي، يقف النظامين مكبلين أمام مواجهة “داعش” بسبب محدودية تمثيلهما وشرعيتهما الشعبية والخلافات والإنشقاقات التي طالت سلطتهما وجيشهما.

نشرت أولاً في مجلة المسيرة في 18 آب 2014 (العدد رقم 1470)

———————-

إقرأ أيضاً:

مقالات أخرى عن تركيا 

يمكن الإطلاع على صور ناردة للحرب الأهلية اللبنانية هنا

وصور نادرة للشخصيات اللبنانية هنا